أخي شاذلي
تحياتي مجددا....
ذكرى الحرازة أو حرازات الحلة .. تثير شجن الذكرى لكل من أستظل بها أو مر بها ذات يومٍ، ناهيك عن شخص كانت تفصله منها عدة أمتار بحكم السكن، فهذه الحرازات صمدت طويلاً كصمود إنسان عاش في هذه القرية ولم يغادرها طيلة حياته؛ فهي الشاهدة على النجاحات والهزائم والإنكسارات لإنسان هذه القرية على مر الأجيال، بل تكاد تكون جميع مواسم الحياة في حلتنا تدور في رحاها، ففي بواكير ذكراي، كانت هنالك أربعة حرازات تتمدد وتتوهط في الشقيل بكل شموخ وإباء؛ إثنين منهما متجاورات وتقعان جنوب شرق منزل جدنا عوض الكريم العرش عليه رحمة الله وجنوب ميدان الشاطئ القديم، والثالثة تقع شرق جزارة ود أبخريسات، وكذلك الحرازة الرابعة ؛ و جميعها متقارية من حيث المسافة وإن شئت فقل كانت جميعها تقع شرق بيوت الفريق القدامي ( وشمال ميدان النجمة السوداء).
ولقد كانت هذه الحرازات تستقبل ضجيج الشفع الصغار في فترات الظهيرة ولعبهم بعربات الطين وشكلاتهم البريئة وتحاريشهم؛ وكانت متنفس للشباب أيضا، و ينام تحت ظلها عمال الكمائن المرهقون؛ ويعسكر فيها أحيانا الحلبة المارين الذين يصلحون السرائر والكوانين (البوتجازات قديما)؛ وحتى الطيور والغربان تجد حظها في الإستمتاع بتلك الحرازات فهي شجرات متنوعة من حيث الشكل والظل؛ كتنوع أمزجة إنسان حلتنا ؛ لذا تجدها تستقبلهم جميعا بكل أريحية وفي جميع الفصول؛ ففى الصيف لها شكل وفي الخريف لها شكل وفي الشتاء لها شكل لتمارس تحتها جميع الطقوس وفنون اللعب مثل "السيجة" "وصفرجت" وغيرها؛ ويلتقى فيها اصحاب الونسات والأسرار الكبيرة وينشدها الجادون أحيانا لمناقشة القضايا الكبيرة لما فيها من الخصوصية وكثيراً ما يلجأ إليها أصحاب الكمائن لمتابعة مصالحهم؛ وحتى الزهاد والعباد يلجاؤن إليها أحيانا حيث أذكر بأن فكي خوجلي جلس في واحدة منهن ذات مرة أثناء ليلية كبيرة أقامها شيخ الإمام ود عوض الكريم في منزل والده وشرفها أبونا الشيخ الأمين (رحمة الله عليه).
وأهم ما يرتبط بالذاكرة هو الثمر الذي تطرحة تلك الحرازات ويعرف (( بالخُرييم) الذي يتميز بطعمه اللذيذ وكانت الأغنام تحبه جداً، فكثيرا ما سد رمقها في فصل الصيف وزادها إدراراً ، فتجد في بعض الأحيان نساء حلتنا وهن يحملن " المحاجين" ويهزن في فرع الحرازة ليتساقط" الخُرييم" فتلتهمه الأغنام إلتهاماً، كما كان الصغار يرمونه بالحجارة ويتبارون في إسقاطه. أيضا كانت تتم فيها الذبائح أحيانا؛ وبالذات في الحالات التي تكون فيها الذبيحة ثوراً جامحاً؛ فيعقروه تحت ظل هذه الحرازات.
شكرا أخي شاذلي أن سمحت لذاكرتنا ببعض التداعي وللحديث بقية .. وكما ذكر أخونا واستاذنا الدكتور ابوذر بأن أسرار هذه القرية تعجز عنها صفحات المنتدي.. والحرازة أحدى اسرار هذه القرية في وجودها وفي رمزيتها وفي بقاؤها.
أخوك/ الفاتح عبدالله