الشيخ محمد الأمين القرشي

[align=right]المقال المرفق كتبه د. الطيب زين العايدين فى الصحافة فى 19/03/2007 وفيه اشارة لما قام الشيخ محمد الأمين القرشى به فى جبال النوبة.

جنوب كردفان نموذجاً للصراع وللتعايش

أتيحت لنا في الأيام الفائتة أن نزور كلا من كادقلي، عاصمة جنوب كردفان، ومدينة الدلنج التي هي أكثر مدن الولاية عمراناً وتقدماً بسبب التعليم والحركة الاقتصادية والقرب من مراكز العمران في الشمال والوسط. كانت الزيارة باسم مجلس التعايش الديني بقصد تأسيس جمعية دينية لدعم السلام في الولاية، تجمع بين المسلمين والمسيحيين، وتوعية المواطنين باتفاقية السلام الشامل وما تضمنتها من حقوق وحريات تتعلق بالأمور الدينية في مجالات العبادة وممارسة الشعائر وقوانين الأسرة والتعليم وتطبيق العقوبات الدينية وتنصيب القيادات الدينية والوضعية الخاصة للعاصمة القومية. وسبق لمجلس التعايش أن نفَّذ مثل هذا البرنامج في كل من الفاشر ونيالا وبورتسودان وكسلا والدمازين، وسينتقل من جنوب كردفان إلى كل من أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية، وكلها مناطق شهدت قدراً عالياً من الصراع في السنوات الماضية. ويهدف مجلس التعايش إلى تفعيل دور رجال الدين للقيام بواجبهم الديني والوطني في بناء ودعم السلام والاستقرار في مناطقهم وفي أوساط أتباعهم.
أدهشني في جنوب كردفان حدة الصراع السياسي بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والصراع المستتر والمعلن بين القبائل النوبية والعربية حول المياه والمرعى والزراعة، وفي نفس الوقت وجدت مستوىً من التعايش الديني المتسامح بين المسلمين والمسيحيين ومعتنقي العقائد الأفريقية غير مسبوق في مناطق السودان الأخرى. وشجعني هذا التعايش الفريد أن أطلب من القيادات الدينية التي التقيت بهم أن يأخذوا المبادرة في بناء السلام ودعم الاستقرار وتحقيق الوحدة الوطنية، ووجدت استجابة مبدئية إلا أنهم في حاجة إلى قدر من التدريب وبناء القدرات وتمويل مشروعات النشاط التي يمكن أن يقوموا بها. وليت حكومة الولاية والمنظمات الطوعية تساعدهم في اكمال ذلك النقص، ومما يؤسف له أن الشركات والبنوك ورجال الأعمال في السودان لم يلتفتوا بعد لدعم الهيئات المدنية العاملة في مجالات السلام والتنمية وحقوق الإنسان وتركوا ذلك النشاط المهم لقمة سائغة للحكومات الأجنبية والمنظمات العالمية تجيرها لأهداف نبيلة وغير نبيلة.
ومن أمثلة الصراع السياسي الحاد أن ولاية جنوب كردفان كانت آخر ولاية شمالية تجيز دستورها إذ لم يعتمد إلا قبل أسابيع قليلة، وذلك بسبب الخلاف حول منصب رئيس المجلس التشريعي هل يكون متداولاً بين الحزبين الشريكين كما هو الحال في منصب الوالي أم سيكون وقفاً لحزب المؤتمر الوطني الذي يحوز على (55%) من عضوية المجلس، وهي الولاية الوحيدة التي تكونت حكومتها قبل إجازة الدستور. وتطلَّب الأمر أن ترحَّل قيادات الحزبين بصورة جماعية إلى الخرطوم لمعالجة المشكلة تحت مظلة رئاسة الجمهورية. وكأنما تلك العقبة لم تكن كافية حتى تعطَّلت جلسات المجلس التشريعي للمرة الثانية بسبب إقالة الوالي خميس جلاب (حركة شعبية) لإثنين من أعضاء الحركة، وطعن النائبان في الاقالة بأنها غير دستورية ووجدا (تحميساً للطار) من جانب نواب المؤتمر الوطني، وستتوقف جلسات المجلس إلى أن تبت المحكمة الدستورية في طعن العضوين. وفي ظل المشاكسة والصراع الدائر حول حدود أبيي وإدارتها وتكوين القوات المشتركة وانسحاب قوات الحركة من الولاية، أدى كل ذلك إلى تعطيل الخدمات تماماً في المنطقة بل وعجزت الحكومة عن دفع مرتبات المعلمين، مما أثار طلاب المدارس الثانوية الذين كانوا على وشك الجلوس لامتحان الشهادة الثانوية، ونتج عن ذلك حريق وتدمير لبعض الممتلكات الحكومية واشتبكت الشرطة مع الطلاب بالقنابل المسيلة للدموع والذخيرة الحيَّة مما أدى إلى إصابة وقتل عدد من المتظاهرين. ولم تستطع حكومة الولاية أن تكشف عن الأوجه التي صرفت فيها مبالغ طائلة استلمتها من الحكومة المركزية زادت على العشرين مليون دولار، حتى قال بعض الناس إن الحكومة مختلفة على كل شئ إلا في توزيع الأموال! وكان الصراع السياسى معدياً لطلاب جامعة الدلنج الذين تظاهروا في العام الماضي بسبب نتائج انتخابات اتحاد الطلبة، وأدى ذلك إلى حرق المكاتب والمعامل التي كلَّفت حوالى المليار جنيه. وأثناء زيارتنا أصرَّ فريق من الطلاب على عقد انتخابات الاتحاد الآن بالرغم من أن عدداً كبيراً من الطلاب سافر مباشرة إلى مناطقهم عقب أداء الامتحانات، وكانوا أكثر تعقلاً هذه المرة فلم يعتدوا على ممتلكات الجامعة.
ومن الناحية الأخرى فإن القصص التي سمعناها عن التعايش الديني مدهشة إلى حدٍّ كبير. قال لنا وزير الزراعة بالولاية، خميس كجو، إن من الأمور العادية بين أهالي المنطقة أن يكون في الأسرة الواحدة المسلم والمسيحي ومعتنق الديانة التقليدية دون أدنى حساسية بينهم، وأن يحتفظ غير المسلم بمصلاية وإبريق للوضوء في داره حتى يقدمها لضيفه الزائر من المسلمين، وأنه شخصياً يعيش في بيته مع أسقف مسيحي، وكثيراً ما ينبهه الأسقف إلى دعاء السفر حين يركبان العربة إلى خارج كادقلي. وقال لنا الأستاذ جمعة بحر (حركة شعبية وأنصار سنة في نفس الوقت!) في اجتماعنا مع الجمعيات الطوعية إن الكنيسة الكاثوليكية بنت لهم مسجداً في إحدى القرى التي كانت تسيطر عليها الحركة، وقال لنا إنهم أفتوا النساء المسلمات معهم بأنه يجوز لهن الزواج من المسيحيين إذا رغبون في ذلك، ولكن بشرط أن لا يجبر الأطفال على دين الزوج. ليس الترابي وحده ينفرد بالفتوى يا شيخ الهدية! وبالمناسبة هناك وحدة مقاتلة مع جيش الحركة الشعبية يطلق عليها (الجيش الشعبى قطاع أنصار السنة)، وهي من أشرس الوحدات في القتال. هل يفسر ذلك الود الذي أظهره الراحل جون قرنق تجاه الشيخ الهدية (متعه الله بالعافية) إلى درجة أن يطلب مقابلته في نيفاشا؟ وقالت لنا عروس كادقلي الحسناء في ذلك الاجتماع إنها عاشت في كاودا التي تعتبر رئاسة الحركة الشعبية في جبال النوبة لثلاث سنوات دون أن تشعر بأدنى تفرقة بين المسلمين والمسيحيين، وأن المسلمين يصلون في مسجد كاودا يوم الجمعة والمسيحيين يصلون فيه يوم الأحد! ولا عجب في هذا التعايش المتسامح في منطقة الجبال فهؤلاء القوم هم من تلامذة وحيران الشيخ محمد الأمين القرشي الذي ترك وظيفة القضاء حتى يتفرَّغ للدعوة وسط أصقاع الجبال، والشيخ محمد عبد الله البرناوي الذي كان يجذب أهالي الجبال إلى الإسلام بالإشتراك معهم في الذكر وترديد لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقول للذي يشترك معهم من وثنيي الجبل إنكم دخلتم الإسلام بقولكم هذا. وعندما اعترض أحد المتفيقهين على أسلوبه هذا في الدعوة، ردَّ عليه الشيخ البرناوي بقول حكيم: نحن بندرش تعالوا انتو دققوا!
ودون أن أخوض في فتاوى فقهية حول هذه القضايا حتى لا يقطع رقبتي بها بعض المتنطعين، أقول إن السودان يحتاج إلى قدر كبير من التسامح بين الثقافات والأديان والأعراق حتى نستطيع أن نعيش معاً في وحدة وسلام وانسجام. والحشاش اليملأ شبكتو.[/align]

المصدر: :::: منتديات أبو فروع :::: - من قسم: منتدى التاريخ وذكريات من أبو فروع

تشكر وجزاك الله خيرا