بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته
جزاك الله عنا خير الجزاء يا د. ابوذر على هذه المعلومات القيمة .
------------
و نضيف لمعلوماتك القيمة وجه الشبه بين يحيى وعيسى عليهما وعلى نبينا الصلات والسلام
بين يحيى وعيسى وجوه شبه، كانت سبباً في تلازم ذكرهما في القرآن الكريم :
- أولها : ما أقرته سورة آل عمران في مستهل حديثها، عن أواصر القربى التي يلتف الأنبياء جميعهم حولها :{إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّة ً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران : 34، 33].. إذ أن الأنبياء صفوة مختارة، يربط بينهم نسب طاهر، فهم {بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ}..
أما حقيقة النسب بين يحيى وعيسى : فتبدأ من أن كلاهما من ذرية سليمان بن داوود، ويتسلسل النسب إلى زكريا بن إذن، وعمران بن ماثا، وقد تزوج عمران بحنة بنت فاقوذ، وتزوج زكريا بأختها إلياصبات.. فيحيى إذن ابن خالة مريم أم عيسى..
ويؤكد هذا الارتباط : ترتيب النص القرآني في سورة آل عمران، فقد بدأت السورة بذكر قصة حنة وحملها بمريم، ثم انتقلت لبيان معجزة الحمل بيحيى، لتعود مرة أخرى للحديث عن مريم وحملها بروح الله.
- أما الثاني فهو الإعجاز في ولادة كل منهما.. فبينما جاء يحيى من أب طاعن في السن وأم عاقر، ولد عيسى من أم بلا أب.
- والثالث هو النبوة في الصغر.. فهذا يحيى يخاطبه الله بقوله : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّة ٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم : 12]، وذاك عيسى يدافع عن أمه، فيثبت لنفسه النبوة وهو في المهد، فيقول : {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مريم : 30].
- الرابع هو ترك الزواج.. فيحيى نبي حصور، يهيم في الصحراء، يأكل أوراق الشجر، لا يأتي النساء، لا لعدم القدرة - كما قال البعض - بل تعففاً وزهداً عن الدنيا وملذاتها.. وكذلك الشأن مع عيسى الذي لم يتزوج، قيل لكثرة أسفاره وتنقلاته، التي يصعب معها أن يتزوج.
- الخامس هو تسمية الله تعالى لكليهما، وفي هذا من التعظيم ما فيه.. فقد بشر زكريا بغلام نصت البشارة على اسمه، بل كان أول من دُعي بذلك الاسم تكريماً وتعظيماً من الباري - عزوجل - لهذا النبي العظيم : {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم : 7].. وكذلك بشرت مريم بعيسى، وقد نص الله على اسمه قبل أن يولد : {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَة ُيَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}[آل عمران : 45].
- والسادس هو الأمن في مواطن الخوف : (الولادة، والموت، والبعث).. فقد قال الله في حق يحيى : {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم : 15]، وقال عيسى في حق نفسه : {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم : 33].
اللغة تؤكد الارتباط بين المعجزتين :
كما أخذت كل واحدة من المعجزتين بيد الأخرى، وسارتا نحو الهدف المنشود، فإن اللغة قد جندت نفسها لخدمة القرآن وبيان إعجازه، فجاء ت اللغة في مستوى واحد ينسحب على القرآن ككل، وهو مستوى رائع أعجز العرب من أن يأتوا بآية فقط من مثله. يلاحظت تشابهاً كبيراً في انتخاب الألفاظ والتعبيرات، فجاء ت في تناسب يدعم التلازم بين المعجزتين.
التشابه اللغوي بين القصتين :
- البدايتان المتشابهتان للمعجزتين : فقد افتتحت المعجزتان في سورة آل عمران بفعل القول : {إِذْ قَالَتِ امْرَأَة ُ} [آل عمران : 35]، {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَة ُ عمران : 45].
- كان المبشر في المعجزتين هو جبريل (ع)، وقد عبر عنه في كليتهما بصيغة الجمع : {فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَة ُوَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَة مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران : 39]، {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَة ُيَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة ِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران : 45].
- جاء التبشير بنفس الكلمة في المعجزتين، وبنفس صيغة فعل التبشير (الفعل المضارع المبدوء بياء المضارعة): {أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ}، {إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ}.. الاختلاف بينهما فقط في حركة الكاف!.. فقد جاء ت إحداهما للمخاطب المذكر والأخرى للمؤنث.
- إسناد التبشير لله في الحالتين، كما جاء مؤكداً فيهما : {أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ}، {إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ}.
- التعبير عن عيسى بالكلمة في المعجزتين، وإسنادها في كليهما لله :{نَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَة اللّهِ} [آل عمران : 39]، {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَة ُيَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة ٍٍ} [آل عمران : 45].
- ذكرت بعد التبشير صفات كل من يحيى وعيسى، وكانت خمساً لكل منهما :
{فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَة ُقَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَة ٍاللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران : 39]، {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَة ُيَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة ٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة ِوَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران : 46، 45].
فيحيى مصدق بكلمة من الله، وسيداً، وحصوراً، ونبياً، ومن الصالحين.. وعيسى كلمة الله، وجيه في الدنيا والآخرة، من المقربين، يكلم الناس في المهد وكهلاً، ومن الصالحين.
- اشتراك يحيى وعيسى في كثير من الصفات - ولا أعني فقط الصفات التي ذكرتها في النقطة السابقة والتي جاء ت عند التبشير - فكان كل من يحيى وعيسى نبياً، من الصالحين، في منأى عن التجبر، هذا بار بوالديه والآخر باراً بوالدته، وأخيراً كان كل منهما آمناً في مواطن الخوف..
وحول الأمن هذا أورد السيوطي حكاية لطيفة هي : " أن عيسى ويحيى التقيا فقال يحيى لعيسى : استغفر لي، أنت خير مني فقال له عيسى : بل أنت خير مني، سلم الله عليك، وسلمت أنا على نفسي، فعرف والله فضلهما " (1)..
أما الطاهر بن عاشور فإنه يقول : " بأن السلام على عيسى جاء معرفاً باللام الدالة على الجنس، مبالغة في تعلق السلام به، حتى كان جنس السلام بأجمعه عليه. وهذا مؤذن بتفضيله على يحيى، إذ قيل في شأنه (وسلام عليه يوم ولد)، وذلك هو الفرق بين المعرف بلام الجنس وبين النكرة "(2).
- سأل كل من زكريا ومريم عن كيفية حدوث المعجزة الخاصة بكل منهما بنفس اللفظ وهو (أنى يكون لي...)، والمخاطب في الآيتين هو الله مع أن المبشر كان جبريل : {قَالَ رَبِّ أَنَّى َ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ} [آل عمران : 40]، {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} [آل عمران : 47]، أي إنهما بعد سماع البشارة من جبريل توجها لله بالخطاب.
- بعد سؤال الله السؤال السابق (أنى يكون لي)، ذكر كلاهما الحال الذي من أجله استغرب الحمل : {قَالَ رَبِّ أَنَّى َ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} [آل عمران : 40]، {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران : 47].
- وجاء الرد في الآيتين متشابهاً : كذلك الله (يفعل / يخلق) ما يشاء.. وربما اختلف الفعلان هنا لاختلاف طريق حدوث المعجزتين.. فبالنسبة لزكريا يبين الله ما سيفعل من فك عقر زوجته، أما مريم فسيخلق ابنها خلقاً من غير شيء كخلق آدم، (والخلق) هو إيجاد الشيء من العدم.
وصلي الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم