من لنا بمثلك ياود عباس ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
طلب مني اخي وزميلي المهذب الطيب سعيد الكتابة عن الاستاذ عوض عباس وصادف ذلك هوى في نفسي فالرجل يستحق كلمة شكر وتقدير على ما قام به خدمة للعلم والتعليم لأبي فروع وطننا الاول ووطنه الثاني , يقول أبو الطيب المتنبي :
لا خيل عندك تهديها ولا مال *** فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
قام الشيخ نور الهدى عطر الله قبره ببناء معهد ديني لأبي فروع وكان ذلك في اواخر الستينات واخيرا استقر رأي القائمين على الأمر ( حينئذ ) بتحويله إلى مدرسة متوسطة لأبناء أبي فروع والصداقة والبطاحين وبعض قرى الحلاوين المجاورة وفعلا تأسست المدرسة في عام 1973 وانتدب لها الرجل الهمام عوض عباس وكانت المهمة جسيمة وكان الرجل مديرا ومعلما وكانت له صولات وجولات مع أهل اللجان الشعبية وأولياء الأمور ومكتب التعليم وكانت المدرسة تشكو من ضيق ذات اليد وشح الإمكانيات وقلة الدعم فانبرى الرجل لكل ذلك وكان بحق الرجل المناسب في المكان المناسب .
كانت المدرسة نائية وفقيرة تجاور أكواخ الفلاتة شمالا والمطامير جنوبا وازعاج الظلط غربا وكانت وسيلة الترفيه الوحيدة والمنتزه الذي كنا نرتاده هو كوخ الحاجة سلمى عليها الرحمة علنا نجد بعض المدمس أو التسالي في أيام كان من يحمل قرشا في جيبه يعتبر من المدللين وكنا نرتاح لبشاشتها وهشاشتها وعبارتها المشهورة ( سنو آفيه )ولا يوجد ماء للشرب ولا حتى أزيار بالمدرسة وكانت المدرسة عن بكرة أبيها تشرب في بيت الرسالة بت محمود أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتها وفاطمة بت عوض الكريم في أيام كانت هؤلاء النسوة يردن الماء على رؤوسهن وبعد شهور جاء عوض عباس وجاب أزيار وبالضرورة معها أكواب وأصبح الماء متوفرا ولكن وفي يوم من الايام جاء احد الطلاب ليشرب ولكنه لم يجد كوبا فما كان من ذلك الزميل وهو الآن حامل دكتوراه الا ان امال الزير قليلا وبدأ يشرب ولسوء حظه في هذه اللحظة جاء عوض عباس وما كان من ذلك الأخ الا ان نط السور هربا وما كان من المدير الا ان دعا لطابور طارئ منتصف النهار وكان يحلو لعوض عباس ان يقول / ناس ود افروع / فاستهل الطابور قائلا : ( يا ناس ود فروع زمان كان الواحد منكم بيربطوا له حبل في رقبته ويسوقوه الترعة ليشرب نحن ثقفناكم وسوينا لكم أزيار /ود فلان / لقيته تاكي الزير يشرب بالله رأيكم شنو )
كان عوض عباس وما يزال منظما ومهندما لا يحب العشوائية ولا الخمج جاء في يوم من الايام ووجد محمد ابو ادريس وعبيد على الزبير حالقين صلعة فقال لهم : يا ابو ادريس يا الزبير اطلعوا من هنا وشعركم لو ما قام ما تجوا المدرسة .
وجئت في يوم من الأيام بعد أن قمت من النوم وفتشت الخلال ما لقيته وخفت من التأخير والجلد فذهبت إلى المدرسة ولك أن تتخيل عزيز القارئ منظر الشعر لواحد قايم من النوم فأول ما شافني قال لي بسخريته المعهودة : يا بسيوني ما لاقاك غصن شوك تجره فوق راسك .!
كان ود عباس المعلم المثالي الذي لا تمل حصته وكنا نستعذب نكتته وطرفته وكنا ننتظر حصته كما ننتظر هلال رمضان وفي يوم من الأيام أخبرني أخي وزميلي الطيب سمرة انه يريد عوض عباس فانتظره حتى خرج من المكتب وبسرعة دخل الطيب المكتب ووجد مبلغ ( خمس ) جنيهات وكيس سعوط , فأخذ الطيب وترك القروش وكان المرحوم لا يتعاطى السعوط وبعد قليل عاد الاستاذ عوض إلى مكتبه وسريعا جاءنا في الفصل قائلا : يا ناس ود افروع عندي كيس سعوط ومعاه قروش الحرامي المغفل دا دخل شال السعوط وترك القروش رايكم شنو؟
ونحن نستعرض تاريخ مدرسة أبي فروع لابد لنا ان نذكر الاستاذين رضوان وبلال فكانا مثالا للانضباط والحزم في المدرسة والمداعبة والظرف خارج المدرسة وكان البلال يأتي بعجلته مرتين يوميا مرة في الصباح ومرة في المذاكرة الليلية . وبمناسبة المذاكرة دائما أذكر الجمعية الأدبية ( فاكهة المدرسة ) وإني لأذكر الزميل الطيب سعيد وهو يديرها بكل حماس وفي يمناه الجرس كلما سمع ازعاجا حركه قليلا فعاد الجميع الى سماع المادة المقدمة , واذكر اخانا الأمين الفكي وهو يقرأ النشرة المحلية وما تحتويه من أخبار الجزارين والمزارعين والشماشة والحداحيد .
ولا تنس دور الجندي المجهول تور شين الذي كان يأتي مبكرا ويخرج متأخرا وكان عندما يناديه عوض عباس ويطلب منه احضار العصي فهو يذهب ويأتي بها على جناح السرعة لذلك كنا نلقبه بــ " بت الباص "
نعم تخرجنا جميعا على يد عوض عباس ذلك المعلم الذي أتمنى لو ان لنا غرفة مملوءة معلمين من أمثاله , ذلك المعلم الذي كان يشكل الحصة بخليط من الفكاهة والدرس حتى لا يصاب الطالب بالملل والرتابة وكثيرا ما نذكر في مجالسنا طرائف ومواقف لاستاذنا الفاضل .
وختاما أقول وكما بدأت :
من لنا بمثلك يا ود عباس ؟؟ .
lk gkh fleg; dh ,] ufhs ??