لقد خلد الله سبحانه وتعالى ذكر الحواريين في القرآن الكريم لما قدموه من تضحيات في سبيل نشر دينهم وطلب من المؤمنين من المسلمين التشبه بهم لنصرة دين الإسلام فقال عز من قائل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)" الصف. ويتضح من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قد أيد الحواريين وأتباعهم حتى ظهر دينهم بين جميع الأمم رغم كل أنواع العذاب الذي تعرضوا له وهم يقومون بنشر هذا الدين وقد تم هذا الأمر قبل ظهور الإسلام. أما الآية التي تتنبأ بأن أتباع المسيح سيبقون ظاهرين على اليهود إلى يوم القيامة فهي قوله تعالى "إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)" آل عمران. إن المقصود بالذين كفروا في هذه الآية هم اليهود الذين كفروا بعيسى عليه السلام لقوله تعالى "فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ ". وقد اختلف المفسرون حول تفسير هذه الآية فقد أورد الطبري في تفسيره تفسيران لها أولها: "حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : " ومطهرك من الذين كفروا " قال : الذين كفروا من بني إسرائيل " وجاعل الذين اتبعوك " قال : الذين آمنوا به من بني إسرائيل وغيرهم " فوق الذين كفروا" النصارى فوق اليهود إلى يوم القيامة . قال : فليس بلد فيه أحد من النصارى ، إلا وهم فوق يهود ، في شرق ولا غرب ، هم في البلدان كلها مستذلون" وثانيهما:."حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : " وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة " هم أهل الإسلام الذين اتبعوه على فطرته وملته وسنته ، فلا يزالون ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة". ومن الواضح أن التفسير الثاني يجافي الحقيقة لأنه يخالف ظاهر النص فالذين اتبعوا المسيح عليه السلام هم الحواريون ومن تبعهم من المسيحيين وليس المسلمون. إن واقع المسيحيين واليهود اليوم يؤكد صدق هذه النبوءة القرآنية فعدد المسيحيين اليوم يزيد عن ألفي مليون مسيحي يشكلون ما يقرب من ثلث سكان العالم أما اليهود فقد بلغ عددهم في فترة ظهور المسيح عليه السلام عدة ملايين وهاهم بعد مرور ألفي عام لا يتجاوز عددهم خمسة عشر مليون يهودي. إن الفوقية ليست في العدد فقط بل شاء الله سبحانه وتعالى أن يشتت اليهود في البلاد التي يحكمها المسيحيون لتكون لأتباع المسيح عليه السلام اليد العليا فوق من كفر به من اليهود وليذيقوهم شتى أصناف العذاب من حين لآخر بسبب كفرهم وعنادهم كما أكد على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)"الأعراف.