الموضوع: ترويض النفس
عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /08-17-2009, 05:13 AM   #1

 
الصورة الرمزية حاتم محمد دفع الله
مشرف

حاتم محمد دفع الله غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 11
 تاريخ التسجيل : Sep 2007
 المشاركات : 753

افتراضي ترويض النفس

أهداف الزهد في الاسلام
الاسلام يحث على الزهد تحقيقاً للاهداف التالية :
1ـ الايثار:فمهمة الدين تتمثل في حل المشكلة الاجتماعية الناتجة عن تعارض المصلحة الفردية مع المصلحة الاجتماعية.والاسلام يربي أبناءه تربية ينحل معها هذا التعارض،بل ويصبح الفرد المسلم يجد لذته في التضحية بلذائذه من أجل مصلحة الاخرين.يحرم نفسه من الملبس والمأكل والمشرب كي يتمتع بها الاخرون،ويحرم نفسه من النوم والراحة كي يسعد الاخرون.
صور الايثار التي يذكرها لنا القرآن وكتب التاريخ عن الرعيل الاول من المسلمين تؤكد قدرة الاسلام على خلق الانسان المتفاني في سبيل الاخرين .
سورة (هل أتى) تخلد واحدة من تلك الصور ، حيث تتحدث عن ايثار أمير المؤمنين عليّ وأهل بيته الكرام . وتشير الى تقديم ما يملكونه من طعام الى مسكين ليلة والى يتيم في الليلة التالية والى أسير في الليلة الثالثة : (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً)(75).
الاسلام حث على هذا الزهد في متاع الحياة الدنيا ورغّب فيه لانّه تربية للانسان على طريق السمو والتكامل، ومدح الصفوة المؤمنة من الانصار التي جسدت أروع صور الايثار في المدينة ، فقال تعالى : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)(76).
2 ـ المواساة : الاسلام يربي أفراد المجتمع على الاشتراك في العواطف والاحاسيس ، ويصيّر منهم جسداً واحداً اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى .
من هنا لا يمكن أن نتصور في المجتمع الاسلامي وجود فئة معدمة وفئة مترفة . لان روح المواساة التي يخلقها الاسلام في المجتمع تأبى على المتمكنين أن يتركوا المعوزين في فاقتهم وفقرهم . وهنا يأتي دور الزهد ليخلق روح التكافل الاجتماعي ، وليدفع أفراد المجتمع الاسلامي الى الاخذ بيد الضعفاء وازالة ظاهرة الفقر من المجتمع أو لازالة ظاهرة التفاوت الفاحش في مستوى المعيشة .
الاسلام يعير أهمية كبرى لزهد الحاكم الاسلامي . لان هذا الحاكم بحاجة الى روح المواساة أكثر من غيره ، ولان الزهد في الحاكم يخلق في المجتمع معايير لتقييم الافراد لا ترتبط بالمال والمتاع .
من هنا كان لزاماً على الحاكم الاسلامي في المجتمع المسلم أن يعيش مثل أبسط الناس وأضعفهم في المعيشة .
هذا أمير المؤمنين علي (عليه السلام)يجسد نموذج الحاكم المسلم الزاهد اذ يقول :
«.. وانما هي نفسي اُروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الاكبر ، وتثبت على جوانب المزلق . ولو شئت لاهتديتُ الطريق الى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القز ولكنّ هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي الى تخير الاطعمة ـ ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع ـ أو أبيتُ مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :
وحسبك داءً أن تبيت ببطنة وحولك أكبادٌ تحنّ الى القدّ
أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون لهم أسوة في جشوبة العيش ؟(77).
3ـ التحرر والانعتاق:الانسان مقيد بعوامل بيولوجية وطبيعية لا يستطيع أن يتخلى عنها، فهو مضطر الى التنفس والى تناول الطعام والى اعداد وسائل الوقاية من البرد والحر
(27)
ونظائرها..غير أن هناك من القيود ما يستطيع أن يتحرر الفرد منها إن روض نفسه على التحرر.مثل قيود شحّ النفس والنهم وحب الادخار والاستئثار والجاه والمقام والشهرة ونظائرها.هذه القيود تكبل الانسان إن أطلق العنان لهواه ولم يروض نفسه على الانعتاق من ربقتها.
الانسان مكلف بالتحرر من هذه القيود المفتعلة قدر ما يتحمله من مسؤولية على الساحة الاجتماعية.لذلك كان الانبياء مكلّفين بالتحرر من هذه القيود أكثر من غيرهم.
الزهد يؤدي في حياة الانسان دوراً هاماً في تحريره من العوامل التي تشده الى البطر والراحة والسكون وتكريس الذات،ويجعله قادراً على الاندفاع السريع على صعيد العمل الاجتماعي والخدمة الاجتماعية.من هنا كان الانبياء(عليهم السلام)أكثر الناس تحرراً من القيود المفتعلة،وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)«خفيف المؤونة» كما تذكر كتب السيرة .
وهذا خرّيج مدرسة رسول الله ، عليّ بن أبي طالب ، يتحدّث عن ترويضه لنفسه على الانعتاق من القيود الدنيوية المفتعلة فيقول:
«اليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك(78) ، قد انسللت من مخالبك ، وأفلتّ من حبائلك ، واجتنبت الذهاب في مداحضك ... أغربي عني(79)فوالله لا أذل لك فتستذليني ، ولا أسلس(80) لك فتقوديني، وأيم الله ـ يميناً أستثني فيها بمشيئة الله ـ لاروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها الى القرص(81) اذا قدرت عليه مطعوماً ، وتقنع بالملح مأدوماً، ولادعنّ مقلتي كعين ماء ، نضب معينها(82) ، مستفرغةً دموعها. أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك ، وتشبع الربيضة(83) من عشبها فتربض ، ويأكل عليّ من زاده فيهجع ؟!! قرّت أذن عينه(84) اذا اقتدى بعد السنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة(85) والسائمة المرعيّة !» .
وهذا الانعتاق لا يعني الانعزال عن الدنيا،بل يعني دخول معركة الحياة بترفّع والتخلص من كل الذاتيات ، والذوبان التام في المبدأ،والتضحية المستمرة على طريق أهداف الرسالة . يعني ممارسة الحياة ممارسة القائد لها لا المنقاد ، والموجّه لمسيرتها لا التابع لها اللاهث وراءها.
وهكذا كان أمير المؤمنين عليّ وسائر المقتدين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
4 ـ تذوّق اللّذات المعنوية : الانغماس في تلبية حاجات الجسد المادّية يغلّظ الحس ويضخمه ، ويغلق منافذ المشاعر الانسانية واللذائذ المعنوية . الفرد الذي يعيش بين معلفه ومضجعه لا يمكن أن يتحسس لذة معنوية مثل لذة الدعاء ولذة الاتصال بالله ولذة التضحية من من أجل الاخرين ولذة طلب العلم والتفكير والعطاء .
وحين يمارس الانسان عملية الترفع عن الانغماس في اللذات المادية ، وعملية الانسلاخ من الانشداد البهيمي بالارض والمتاع ، فانه ينفتح على عالم جديد وعلى لذات جديدة لا تقل عن اللذات المادية ، إن لم تكن أعمق منها. من هنا كانت لذة الصلاة قرّة عين الرسول الاعظم ، واحدى ثلاثة أشياء يتعشقها في الحياة الدنيا .
الانسان العابد الزاهد يرى حقائق الكون بمنظار يختلف عن ذلك الفرد المنغمس في حسّه المادي...
والفرق بين الاثنين لا يقتصر على اطار الرؤية ، بل يتسع ليشمل التفكير والاستنتاج والتقييم والربط . يقول تعالى :
(إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنّهار لايات لاُولي الالباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك)(86).


jv,dq hgkts








  رد مع اقتباس