![]() |
العدل أساس الاعتدال
________________________________________
من يتأمل بعمق وصفاء يجد ذلك الرابط القوي والتلازم المقترن بين العدل والاعتدال، ليس بالتوافق اللفظي كمفردين لغويين تتقاطع أحرفهما فقط إنما في المحتوى والمضمون والجوهر، إذ أن العدل وممارساته حين يسود يؤدي إلى الاعتدال في المواقف والسلوك والمزاج ومواجهة الأخطار ويصبح معه منهج الوسطية المنشود طبعًا ملازمًا للفرد أو الجماعة تمامًا كما أن الوسطية والاعتدال في الطبع والموقف يجعل صاحبه أقرب إلى العدل منه إلى الظلم وشبهاته ومصائبه... وما يعزز هذا التأمل أن العدل حين يمارس على البشر يريح النفس ويجعلها وسطًا تقيس الأمور بمعايير العقل والمنطق وتتقبل القدر وعثرات الزمان بل وهفوات من يظلمون بغير قصد أحيانًا، في حين أن انعدام العدالة يفضي إلى التطرف والجنوح والخروج عن الفطرة ليس رغبة في ذلك كله بل دفعًا للظلم وأهله وتحصيلاً للحقوق في بعض الأحيان، أو لعله القلق وعدم الاستقرار الذي تعيشه النفس حين تكون تحت وطأة الظلم فتلجأ إلى التخبط الذي قد يؤدي إلى العنف و أحيانًا أخرى. وقد كان للعدل شأن لدى الحكماء في التاريخ حين جُعل أساسًا للملك والحكم والسياسة حيث قيل إن ، وما ذلك إلا لقدر العدل وقيمته وتأثيره في النفس والمجتمع وحياة البشر وفي منهج الحكام والساسة في إدارة البلاد والعباد، لذلك فقد نقشت في الذاكرة بعد إن كتبت مرارًا وتكرارًا على الرقاع والورق وعبر التاريخ وجسدت في الواقع تجربة برهنت حكمة قائلها، فرسخت في الذاكرة الشعبية بعمق وقوة وتأثير. والعدل حين يسود تستقر النفوس به ويهدأ البال عليه وتبدع العقول معه، وترتفع المعنويات حماسة للعمل والإنتاج فيتوسع الرزق تتوزع معه مكاسب التنمية بين الجميع، فتضيق الفجوة بين الأغنياء والفقراء ويسهل تدارك الفقر ومعالجة البطالة ومحاربة الفساد وتقبل الرأي الآخر، وتصبح مع هذا العدل مفاهيم المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده قوانين تمنع وتضبط بل بمثابة القضاء غير المكتوب يمنع البعض من اللجوء إلى العنف و طريقًا للتمرد وتحصيل الحقوق.. والعدل يشمل كل شيء ابتداء من عدل الإنسان مع نفسه في توازن المادة والروح، والجد واللعب والنوم والعمل وهكذا... وتكبر مسئولية العدل تبعًا لموقع الفرد من عدل الفرد مع أهله وأسرته والنفقة عليهم والإحسان لهم وإعطاء كل ذي حق حقه من دون محاباة ولا تميز ….ويتوسع مفهوم العدل أكثر حين يكون الإنسان منا في موقع المسئولية في مجتمعه سواء في العمل العام أو الخاص وكلما كبرت أمانة المسئولية عظمت معها مسئولية العدل وعظم معها التأثير في قيمة الاعتدال في المجتمع وهكذا يكبر مع الفعل رد الفعل لتصل إلى مسئولية الدولة والقائمين عليها... ومسئولية الدولة الأعظم أكثر تأثيرًا التي يقع على عاتقها حمل الأمانة وتحقيق العدل في العالم لا سيما عندما يتعلق الأمر في القضايا التي تشغل العالم من الاحتلال والديمقراطية ومشاكل البيئة والقضايا الدولية المختلفة والتي تشكل بؤر التوتر وتعزز المعاناة التي تدفع البعض لممارسة وليبدأ الكبير بنفسه وينظر في عمله عدلاً ليكون قدوة للآخرين، ولتبدأ أمريكا بنفسها وتنظر إلى ممارساتها ومدى ملاءمتها مع حقوق الإنسان التي تنادي بها لا سيما عندما أصبحت دولة احتلال ولها القرار الفصل في إيجاد الحلول العادلة لقضايا العالم المختلفة ابتداء من فلسطين والعراق وغيرها...إلى أن تصل إلى أبسطها حين يقف المواطن العربي في مطارات أمريكا كيف يعامل؟ بل وكيف يمارس عليه التجبر حين يحاول الحصول على تأشيرة زيارة الولايات المتحدة الأمريكية. لقد أنفقت المليارات من أجل خلق الاعتدال وقطع دابر التطرف والإرهاب وقد باءت بالفشل بل كانت النتيجة مغايرة تمامًا فتوسع باضطراد وتعمق وتجذر غير مسبوق ولنا في ذلك عبرة وحكمة، وكان بالإمكان الاقتصاد في الإنفاق والتوجه نحو العدل بمفهومه الضيق والواسع الذي يبدأ بالفرد وينتهي بمسئولية الدولة والدولة العظمى التي تملك النفوذ والسلطة لفرض العدل وحل المشكلات والقضايا العالقة والمستجدة بإنصاف وبمكيال واحد عنوانه العدل والحقيقة. إن الأساس عندما يعتل أو يختل يصعب معه البناء ويصبح العمل معه والإصرار عليه بمثابة الزيف والتخبط ونقصان العقل، تنهار معه كل الآمال وتضيع معه كل الأموال هباء منثورًا بل خدمة للتطرف نفسه ودعمًا ذاته ما دام العدل غائبًا وشريعة الغاب هي الحكم. فالعدل أساس الاعتدال وصمام أمان للعالم بأكمله ومنه المجتمع المدني في كل دولة أيضًا، يمنع التطرف ويشكل دواء حقيقيًا ناجعًا لما يحشد إليه من سرطان العنف والارهاب -: مع تحــــيات القيصر :- |
الساعة الآن 08:42 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir