![]() |
السوداني ليس كسولاً
السوداني ليس كسولا .... فقط مطلوب شيء من الثقة في النفس
كتب رشيد خالد إدريس موسي تهمة الكسل تهمة قديمة , و قد قال بها الأوربيين و اتهموا الشعوب الشرقية التي كانت ترزح تحت احتلالهم لسنين عديدة. هذه الشعوب التي ينعتوها مرة بالشعوب المتخلفة , وتارة بالنامية , و اخري بالعالم الثالث و لكن من جعلها متخلفة عن الركب و عندما انضمت إلي الركب كان مكانها الدرجة الثالثة ؟ لقد وضع الغربيون نظريات عديدة لتفسير التخلف الذي تعانيه هذه الشعوب , و من ذلك نظرية العوامل الطبيعية و الجغرافية , إذ أدعوا أن الظروف الطبيعية التي تعيش فيها هذه الشعوب تعوق الإنسان عن الإنتاج و العمل بكفاءة , مثل الحرارة الشديدة و الإمطار الغزيرة و ما ينتج عنها من توالد للحشرات و الرطوبة كحال المجتمعات الاستوائية مثل أفريقيا و أمريكا الجنوبية . و نظرية ثانية قال بها هؤلاء الغربيين هي نظرية العوامل الاجتماعية و الدينية , إذ جاء إدعاءهم إن أسلوب الحياة الاجتماعية لدي هذه الشعوب يمثل عائقا نحو التقدم لما تشتمل عليه البيئات الاجتماعية من عادات و تقاليد و مثل و حوافز و اتجاهات لا تتفق و أسلوب الإنتاج الحديث. هذا إضافة إلي إدعاءهم إن التعاليم الدينية مثل تعاليم الدين الإسلامي لا تتفق مع التقدم , بل تقف عائقا لأنها تكرس قيم التواكل و الإتكالية. و نظرية ثالثة قالوا بها , هي نظرية الأجناس , إذ أدعوا أن الشعوب البيضاء تقدمت لأنها تتمتع بذكاء عال بينما تخلفت الشعوب الملونة بسبب ضعف مستوي الذكاء لديها. و قد أقتنع احد الاقتصاديين الهنود بهذه النظرية فقام برسم خريطة للعالم و لونها بلونين , ابيض و بني و أدعي أن الشعوب التي تقع في القسم الأبيض هي الشعوب الذكية , و تلك التي تقع في القسم البني أقل ذكاء. لكن أثبت التحليل العلمي و حقائق الواقع المعاش خطل هذه النظريات و عقمها . لقد ذهل الاوربيون لذكاء أبناء الشعوب المتخلفة و الذين إبتعثوا للدراسة في الغرب بداية من الخمسينات من القرن العشرين الماضي و تفوقوا علي أقرانهم الأوربيين و الامريكيين فكان أن إنتهج هؤلاء الغربيين سياسة إستقطاب العقول أو إستنزاف العقول Brain drain عن طريق توظيف هؤلاء الطلاب النوابغ في الجامعات و مراكز البحوث و توفير البيئة الملائمة للعمل و الابداع و تسخيرهم في إنتاج التكنولوجيا التي يتم تصديرها إلي البلدان النامية و بذا تكون بلادنا النامية قد خسرت مرتين, مرة بفقدها لعلمائها و اخري باستيرادها لتكنولوجيا لا تتناسب مع ظروفها , فيتم ربط هذه الشعوب برباط محكم مع الغرب بحيث تصبح هامشا يدور في فلك المركز الاوربي و الامريكي. ليست هذه الشعوب كسولة و فاقدة للحيلة و أنما ظروف الفقر الذي تركها فيه الاستعمار الغربي هي التي أقعدت هذه الشعوب عن التطور , و جعلها تدور في فلك هذا الغرب. لقد سررت كثيرا و أنا أشاهد في تليفزيون السودان , في نشرة أخبار العاشرة مساء خبر اختيار العالمة دكتورة / بلقيس عثمان العشا ضمن أبطال الارض لعلوم البيئة لعام 2008م , و عددهم سبعة علي مستوي العالم .و بلقيس تعمل كبير باحثين في المجلس الاعلي للبيئة في الخرطوم. و جاء الخبر مع صورتها و هي تحمل الجائزة في ثقة و تواضع فقلت في نفسي ( وينو كسلنا ؟!) ثم أبحرت عبر الشبكة العنكبوتية لأعرف المزيد عن هذا الخبر الهام و السار , و لدهشتي و أنا أتصفح المواقع وجدت عالمة أخري كان لها شرف التكريم للانجاز المتفرد الذي أنجزته , و هي الدكتورة/ هبة محمد (طبيبة) من معهد الإمراض المتوطنة في الخرطوم و التي حازت علي جائزة قدرها ستون الف جنيه إسترليني من الجمعية الطبية الملكية في المملكة المتحدة عن بحثها المتميز في مجال مرض اللشمانيا . نشر هذا الخبر في شهر نوفمبر 2007م في موقع Medical News Today و قبل مدة ليست بالطويلة سمعنا خبر اختيار الدكتور/ الزين عباس عمارة كواحد من الأطباء المتميزين في مجال الطب النفسي علي مستوي العالم , فهاهم السودانيين تعرفهم في إنجاز علمائهم و قيمة المرء ما يحسنه من عمل فالي الإمام. للأسف الشديد إن تهمة الكسل قد الصقها البعض بالسودانيين في منطقة الخليج العربي و كان دافعهم الغرض. و معلوم أن منطقة الخليج العربي تعج بالملايين من العاملين من شتي الدول و مختلف الجنسيات . و الصراع يدور هنا علي أشده حول الوظائف و المناصب , و كل فئة أو جنسية تعمل علي الاستئثار أو إحتكار المناصب التي توجد هنا أو هناك. و لما كان السودانييين يتمتعون بخصائص متفردة منها الامانة و الإخلاص و الوعي و الثقافة و المعرفة الجيدة باللغة الانجليزية , و يتحلون بصفات اجتماعية تميزهم عن غيرهم منها حسن الخلق و التواضع و طيب المعشر و لين الجانب و التسامح و الكبرياء , فقد منحتهم هذه الخصائص و الصفات مكانة في قلوب أهل الخليج العربي فكانوا و لا يزالون محل قبول لدي أهل هذه البلاد. لم يجد المغرضون و المنافسين للسودانيين ما ينفرون به أهل الخليج من السودانيين سوي رميهم بتهمة الكسل . لقد صدق هذه الفرية بعض الجهلاء و سخفاء العقول رغم أنهم لم يعملوا مع السودانيين و لم يعاشروهم فتداولوا هذا السخف في مجالسهم الخاصة و في منتديات الانترنت مفسرين الصفات التي يتحلي بها السودانيين من أمانة و عفة نفس و صدق و إخلاص و سماحة معشر بانها كسل و بلادة و غفلة و جبن الخ من الصفات الخبيثة, و من ذلك قولهم (أن السوداني لا يأكل و لا يؤكل)! . و قد شاهدت في احد المواقع علي الانترنت صورة يبدو أنها مدبلجة لاحد رجال المطافئ يجلس علي كرسي في إسترخاء و يمسك بيده خرطوم المياه ليطفئ النار المشتعلة في أحد المواقع, و عليها تعليق ( أحد رجال الدفاع المدني السودانيين) !. إن خطورة الصورة و هذا السخف أنها ابلغ من كل تعبير , فالصورة الواحدة تعادل ألف كلمة كما يقال . و خطورة ما يقال و ما ينشر في مثل هذه المواقع أنها تعتبر بمثابة حرب إعلامية و حرب نفسية لمحاربة السودانيين في أرزاقهم و إبعادهم عن المواقع المتميزة ليخلو الجو للفاسدين ليعيثوا فسادا, و بالتالي ليس غريبا كراهية البعض للسودانيين و عدم رغبتهم في أن يعمل السودانيين معهم . منذ سنتين كنت في زيارة لدولة عربية مجاورة و هناك روي لي أحد الاخوان أن المعلمين السودانيين العاملين في هذا البلد واجهوا حربا شرسة من قبل المنافسين لهم من جنسيات عربية أخري, إذ أدعي هؤلاء أن المعلمين السودانيين لا يحسنون تعليم النشء اللغة العربية علي النحو السليم , و نتيجة لتلك الحملة الجائرة فقد البعض وظائفهم. و هذه لعمري فرية ظالمة , و لكنه اكل العيش إذ لا يتورع البعض عن إستخدام أي سلاح حتي و لو كان سلاحا قذرا. منذ خمسة سنين خلت كنت أعمل متعاونا مع إحدي الشركات التجارية في مدينة الرياض , و كنت أترجم القيود المحاسبية من الانجليزية إلي العربية لغرض التصنيف. و كل منسوبي هذه الشركة من اللبنانيين و معهم محاسبين من الهنود . قال لي المدير المالي و هو لبناني بلهجة لبنانية : الاخوة السودانيين لغتهم العربية ممتازي و لغتهم الانجليزية ممتازي. و قل من أمثال هؤلاء من يقول الحقيقة. و كنت أطمع أن أعمل في هذه الشركة ا لناجحة و لكن عنصرية هؤلاء القوم و حسدهم حالت دون ذلك , و لكن هيأ الله لي رزقا في مكان آخر. قرأت منذ سنين تقريظا لواحد من السودانيين الذين تسنموا مواقع المسئولية و في اعلي درجاتها , و هو السيد/ مأمون حسن إبراهيم الرئيس السابق للهيئة العربية لضمان الاستثمار و مقرها الكويت و الذي تقلد هذا المنصب لستة دورات متتالية , و هو مثال للرجل النزيه و مثال للسوداني الاصيل الذي رفع رأس السودانيين عاليا . و جاء في الخبر أن السيد/ مأمون خلف إثنين قبله من العرب نهبا أموال الهيئة و هربا , أحدهما مصري و الاخر فلسطيني! لماذا يسكت البعض علي هذا السخف الذي يحدث ؟ و لماذا يتداول البعض في مجالسهم الخاصة هذه النكات التي تقال عن السودانيين و كأنها واقع ماثل أمامهم ؟ هل نحن مصابون بالانهزام النفسي أمام الآخرين؟! لابد من مواجهة هذا العبث الذي يحدث بحملة إعلامية مضادة تتناول نجاحات السودانيين و إنجازاتهم و إشراقاتهم . قد يقول قائل أن السودانيين لا يحبون الحديث عن أنفسهم , و هذا صحيح , و لكن لما كان هذا العبث يرمي إلي محاربة السودانيين في أرزاقهم فلابد من إن يتحدث الناس لينفوا هذه التهمة الجائرة. و الآن نأتي إلي تحليل هذا الإدعاء إلذي يقول بكسل السودانيين و تفنيده . في حقيقة الأمر أن السوداني ليس بكسول كما يتراءي لمن لا يعرفونه , و إنما فيه شئي من الزهد , أو قل فيه شئي من ( الدروشة) هذا الزهد يجعله يعف عند المغنم و يفضل الآجلة علي العاجلة , فكيف ياكل أو يؤكل إذا كان هذا المأكول حراما؟ . إن التربية التي ترباها السودانيين فيها شئي من الصوفية, و إن المجتمع الذي نشأنا فيه, فيه شئي من البداوة , و هذه الصوفية و البداوة هما اللتان أنتجتا لنا هذه الشخصية السودانية , هذه الشخصية البسيطة و التلقائية.هذه الشخصية السمحة و المتفردة التي تتصف بكبرياء النفس, بجانب صفات أخري عديدة و سمحة تميز هذا (الزول) . إن كلمة (زول) هي جماع لكل الصفات السمحة التي ينبغي أن تتوفر في الإنسان , فلم يتعقد البعض عندما يناديهم الآخرين ( يا زول) ؟!. إن التعبير الدارج لدي الانجليز و من شاكلهم هو ( ماي فريند) و لدي الهنود و الآسيويين عموما هو (صديق) و لدي المصريين ( يا جدع) و لدي الشوام ( يازلمي) و الاسم الذي ينادينا به الآخرين جامع لكل هذه المعاني السمحة. ليس السوداني بكسول و إنما التربية التي ترباها السوداني في ظل المجتمع النيلي حيث العائلة الممتدة خلقت فيه صفة التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع بدءا من الاسرة الصغيرة و مرورا بالمجتمع الكبير, فلا خوف من اللقمة و لا خوف من الغد ما دام إن هناك مجتمع يكفل افراده و هذه لعمري قمة التحضر و من الخصال الحميدة التي قل إن نجدها في مجتمعات أخري فليعض عليها السودانيين بالنواجذ . إن كشف الزواج و كشف البكا و تشهيل العريس أو من توفي قريبه و مساعدته للسفر هي من صور التكافل الاجتماعي أو التامين التعاوني الذي لا يحتاج إلي إجراءات أو رسميات. إن الكسل ياتي حين يتعطل العقل و يتبلد الشعور عن الاحساس بالاخر و يقول كل فرد (انا و بس) و لكن لن يعيش الجسد بمعزل عن الروح. هناك إدعاء يقول إن السوداني لا يعمل في بلده و لكن يعمل عندما يسافر إلي الخارج. هذا الادعاء غير صحيح . إن الفرد السوداني يعمل هنا و هناك و بكل إخلاص و تفان . نعم أن حجم العمل ليس بكبير في بلادنا و بالذات العمل المكتبي مقارنة بحجم العمل في الخارج لاختلاف الظروف الاقتصادية في كل و ضعف الحركة التجارية في بلادنا . و من واقع عملي كمحاسب حيث عملت في الخرطوم و أعمل هنا في الرياض الاحظ أن حجم العمل المحاسبي و تعقيده يختلف كثيرا عنه في بلادنا بسبب ضخامة النشاط الاقتصادي في هذه البلاد, إضافة إلي إن ساعات العمل تختلف في كل حالة . أمكث في مقر الشركة التي أعمل فيها لمدة عشرة ساعات و نصف يوميا, أي من الساعة الثامنة صباحا إلي الساعة السادسة و النصف مساء من السبت إلي الاربعاء, و تتخلل هذه الساعات ساعة واحدة لصلاة الظهر و الغداء من 12 إلي 1 ظهرا ما عدا الخميس و الجمعة للراحة الاسبوعية , أي إن ساعات العمل في هذه الشركة هي تسعة ساعات و نصف , و ليس هناك مجال ( للفاتحات) أو (قراية الجرايد) و لكن رغم ذلك فقد تعودنا علي هذه الحياة ما دام أن المرء يسعي وراء رزقه. إن هذا الادعاء الذي يقول بكسل السوداني و عدم رغبته في العمل داخل بلده إدعاء خطير , بل تهمة يجب أن تقابل بما يستحقها من تفنيد . إن هذا الإدعاء يعني أن السوداني لا يعمل إلا تحت الرقابة و الاشراف , أي انه غير صالح لتحمل المسئولية و خاصة إذا علمنا أن بلادنا بدات تشهد تدفق العمالة الأجنبية, و حيث يتعلل بعض اصحاب العمل بان السوداني لا يعمل و لا يرضي تقبل التوجيه أو الاشراف . نعم قد لا يرضي البعض القيام ببعض الإعمال و يأنفون من القيام بها بينما يقوم بها الآخرين , و هذه من طبيعة البشر و هذا شئي لا غبار عليه , و لكن ينبغي علينا إن نحارب التوجه الذي يرمي إلي عزل أبناء البلد و إبعادهم عن مواقع العمل و إستخدام الاجانب و إبقاء أبناء البلد في حالة تعطل. هذا اتجاه خطير لو قدر له إن يحدث فهذا يعني أن أبناء البلد سيعيشون في حالة تعطل و ستنشا لدينا عادة الاعتماد علي الاجنبي و النظر إلي إبن البلد كانسان خائب لا يصلح لأداء أي شئي. لابد من زرع الثقة في نفوس الشباب و إنتشالهم من الحال الذي يعيشون فيه , و مساعدتهم بقيام برامج التدريب التحويلي Vocational rehabilitation لمن لم يتلقوا تدريبا تقنيا أو فنيا في المدرسة أو في الجامعة لتمكينهم من الدخول إلي سوق العمل الذي يعتمد علي التقنية, و لابد إن يكون ندا للاجنبي الذي ينظر إلي الآخرين بتعال. يقال أنه سيتخرج حتي عام 2020 م أربعة ملايين فرد في مجال الكمبيوتر و نظم المعلومات من الصين و شرق آسيا وحدهما, و هؤلاء سيغزون منطقة الشرق الاوسط حاملين عقود إستخدام رخيصة , و ليس لديهم هم ( موحمد و لا فاطنة) , فماذا نحن فاعلون لمواجهة الخطر القادم في ظل العولمة أو يأجوج و مأجوج كما جاء في الاثر. |
الساعة الآن 04:19 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir